للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول: أن بعض العلماء زعموا أن مكة لم تفتح عنوة، ولكن أهلها أخذوا الأمان منه - صلى الله عليه وسلم -؛ وممن قال بهذا الشافعي رحمه الله.

واستدل قائلوا هذا القول بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" وهو ثابت في الصحيح. وهذا الخلاف في مكة هل أخذها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عنوة؟ وهو قول الجمهور، أو أخذ لها الأمان، والأمان شبه الصلح. عقده الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في مغازيه بقوله في غزوة الفتح يعني مكة:

واختلفوا فيها فقيل: أمنت ... وقيل: عنوة وكرهاً أخذت

والحق أنها فتحت عنوة كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله، ومن أظهر الأجوبة عما وقع في فتح مكة أن مكة ليست كغيرها من البلاد؛ لأنها حرام بحرمة الله من يوم خلق السماوات والأرض إلى يوم القيامة، وإنما أحلت له - صلى الله عليه وسلم - ساعة من نهار، ولم تحل لأحد قبله ولا بعده، وما كان بهذه المثابة، فليس كغيره من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة العظيمة.

وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، ويدل على ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لما سمع أن بعض الأنصار قال: يمنعنا ويعطي قريشاً، وسيوفنا تقطر من دمائهم، جمعهم النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وكلمهم كلامه المشهور والبالغ في الحسن، ومن جملته أنه قال لهم: "ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم" إلى آخر كلامه، فرضي القوم، وطابت