وإذا علمت ذلك فاعلم أنَّه تعالى وصف الرياح في هذه الآية بكونها لواقح، وقد بينا معنى ذلك آنفًا، ووصفها في مواضع أخر بأوصاف أخر، من ذلك وصفه لها بانها تبشر بالسحاب في قوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} على قراءة من قرأها بالباء، ومن ذلك وصفه لها بإثارة السحاب كقوله:{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} الآية.
وقال "صاحب الدر المنثور": وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأَبو الشيخ في العظمة عن عبيد بنُ عمير قال:"يبعث الله المثيرة، فتقم الأرض قمائم، ثم يبعث المبشرة فتثير السحاب فيجعله كسفًا، ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه فيجعله ركامًا، ثم يبعث اللواقح فتلقحه فيمطر".
وأخرج ابن المنذر عن عمير قال:"الأرواح أربعة: ريح تقم، وريح تثير تجعله كسفًا، وريح تجعله ركامًا، وريح تمطر".
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة
المسألة الأولى: أخذ مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة أن لقاح القمح أن يحبب ويسنبل. قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: روى ابن وَهْب، وابن القاسم، وأشهب، وابن عبدِ الحكم عن مالك -واللفظ لأشهب- قال مالك: قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} القمح عندي أن يحبب ويسنبل، ولا أدري ما ييبس في أكمامه، ولكن يحبب حتَّى يكون لو يبس لم يكن فسادًا لا خير فيه ولقاح الشجر كلها أن تثمر، ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت، وليس ذلك بأن تُوَرَّد.