ذكر وصف التأبير ليحترز به عن غيره، ومعلوم أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله لا يقول بحجِّية مفهوم المخالفة، فالجاري على أصوله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور نص على حكم الثمرة المؤبرة، وسكت عن غير المؤبرة فلم يتعرض لها أصلًا.
وإن أَبّر بعض الثمرة التي بيعت أصولها، وبعضها الآخر لم يؤبر، فمذهب مالك أنَّه إقْ كان أحدهما أكثر فالأقل تابع له، وإن استويا فلكل حكمه، فالمؤبر للبائع وغيره للمشتري، ومذهب الإمام أحمد أن لكل واحد من المؤبر وغيره حكمه، وأَبو حنيفة لا فرق عنده بين المؤبر وغيره، فالجميع عنده للبائع، إلَّا إذا اشترطه المبتاع ومذهب الشَّافعي رحمه الله الصحيح من الخلاف أن ما لم يؤبر تبع للمؤبر، فيبقى الجميع للبائع دفعًا لضرر اختلاف الأيدي.
واعلم أن استثناء بعض الثمرة دون بعض يجوز في قول جمهور العلماء وفاقًا لأشهب من أصحاب مالك، وخالف ابن القاسم فقال: لا يجوز استثناء بعض المؤبرة.
وحجةُ الجمهور أن ما جاز استثناء جميعه جاز استثناء بعضه.
وحجة ابن القاسم أَن النص إنما ورد في اشتراط الجميع.
واعلم أن أكثر العلماء على أن الثمرة المؤبرة التي هي للبائع إن لم يستثنها المشتري، فإنها تبقى إلى وقت الانتفاع المعتاد بها، ولا يكلفه المشتري بقطعها في الحال، وهو مذهب مالك، والشَّافعي وأحمد. وخالف في ذلك أَبو حنيفة قائلًا: يلزم قطعها في الحال وتفريغ النخل منها؛ لأنه مبيع مشغول بملك البائع، فلزم