أيضًا:"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" والقاعدة المقررة في الأصول: أن النهي يقتضي التحريم. فأظهر الأقوال دليلًا منع الصلاة في المقبرة، وإلى القبر، لأن صيغة النهي المتجردة من القرآن تقتضي التحريم. أما اقتضاء النهي الفساد إذا كان للفعل جهة أمر وجهة نهي، ففيه الخلاف الذي قدمناه آنفًا، وإن كانت جهته واحدة اقتضى الفساد. وقال صاحب المراقي في اقتضاء النهي الفساد:
وجاء في الصحيح للفساد ... إن لم يجي الدليل للسداد
وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح عن الصلاة إلى القبور وقد قال:"وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" وقال تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقد قدمنا أن لعنه - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ القبور مساجد يدل دلالة واضحة على التحريم.
واحتج من قال بصحة الصلاة في المقابر، وإلى القبور بأدلة:
منها: عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الصحيح:"وجعلت لي الأرض مسجدًا" الحديث. قالوا: عمومه يشمل المقابر.
ويجاب عن هذا الاستدلال من وجهين:
أحدهما: أن أحاديث النهي منه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة المقبرة وإلى القبر خاصة، وحديث "جعلت لي الأرض مسجدًا" عام، والخاص يقضى به على العام، كما تقرر في الأصول عند الجمهور.
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استثنى من عموم كون الأرض مسجدًا المقبرة والحمام، فقد أخرج أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن