للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال مقيده -عفا الله عنه-: هذه الأدلة يظهر للناظر أنها متعارضة، ومعلوم أن الجمع واجب إذا أمكن، وإن لم يمكن وجب الترجيح، وفي هذه المسألة يجب الجمع والترجيح معًا.

أما وجه الجمع فإن جميع الأدلة المذكورة في الصلاة إلى القبور كلها في الصلاة على الميت، وليس فيها ركوع ولا سجود، وإنما هي دعاء للميت، فهي من جنس الدعاء للأموات عند المرور بالقبور، ولا يفيد شيء من تلك الأدلة جواز صلاة الفريضة أو النافلة التي هي صلاة ذات ركوع وسجود.

ويؤيده تحذير عمر لأنس من الصلاة عند القبر. نعم تتعارض تلك الأدلة مع ظاهر عموم "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" فإنه يعم كل ما يصدق عليه اسم الصلاة، فيشمل الصلاة على الميت، فيتحصل أن الصلاة ذات الركوع والسجود لم يرد شيء يدل على جوازها إلى القبر أو عنده بل العكس. أما الصلاة على الميت فهي التي تعارضت فيها الأدلة. والمقرر في الأصول أن الدليل الدال على النهي مقدم على الدليل الدال على الجواز.

وللمخالف أن يقول: لا يتعارض عام وخاص. فحديث "لا تصلوا إلى القبور" عام في ذات الركوع والسجود والصلاة على الميت، والأحاديث الثابتة في الصلاة على قبر الميت خاصة، والخاص يقضي به على العام، فأظهر الأقوال بحسب الصناعة الأصولية: منع الصلاة ذات الركوع والسجود عند القبر وإليه مطلقًا للعنه - صلى الله عليه وسلم - لمتخذي القبور مساجد، وغير ذلك من الأدلة، وأن الصلاة على قبر الميت التي هي للدعاء له الخالية من الركوع