وهذا القول تدل له الآيات الدالة على أنهم قالوا في القرآن تلك الأقوال المفتراة الكاذبة، كقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢)} وقوله: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)} وقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (٧)} وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)} وقوله: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)} إلى غير ذلك من الآيات.
والقرينة في الآية الكريمة تؤيد هذا القول الثالث، ولا تنافي الثاني بخلاف الأول؛ لأن قوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١)} أظهر في القول الثالث، لجعلهم له أعضاء متفرقة بحسب اختلاف أقوالهم الكاذبة، كقولهم: شعر، سحر، كهانة الخ. وعلى أنهم أهل الكتاب -فالمراد بالقرآن كتبهم التي جزءوها فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها، أو القرآن، لأنهم آمنوا بما وافق هواهم منه وكفروا بغيره.
وقوله: {عِضِينَ (٩١)} جمع عضة، وهي العضو من الشيء، أي جعلوه أعضاء متفرقة. واللام المحذوفة أصلها واو. قال بعض العلماء: اللام المحذوفة أصلها هاء، وعليه فأصل العضة عضهة. والعضه السحر؛ فعلى هذا القول فالمعنى جعلوا القرآن سحرًا؛ كقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)} وقوله: {سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا} إلى غير ذلك من الآيات.
والعرب تسمي الساحر عاضها، والساحرة عاضهة، والسحر عضها. ويقال: إن ذلك لغة قريش، ومنه قول الشاعر: