قال ابن عبد البر: حجة مالك أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة، فإذا كانت حلالا له أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها، فتحرم عليه، وذهب ابن الماجشون وابن حبيب من المالكية إلى أنه ليس له أن يأكل منها إلا قدر ما يسد الرمق ويمسك الحياة، وحجتهما: أن الميتة لا تباح إلا عند الضرورة، وإذا حصل سد الرمق انتفت الضرورة في الزائد على ذلك. وعلى قولهما درج خليل بن إسحاق المالكي في مختصره. حيث قال:"وللضرورة ما يسد غير آدمي".
وقال ابن العربي: ومحل هذا الخلاف بين المالكية فيما إذا كانت المخمصة نادرة، وأما إذا كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع منها. ومذهب الشافعي على القولين المذكورين عن المالكية، وحجته في القولين كحجة المالكية فيهما، وقد بيناها. والقولان المذكوران مشهوران عند الشافعية. واختار المزني أنه لا يجاوز سد الرمق، ورجحه القفال وكثيرون. وقال النووي: إنه الصحيح. ورجح أبو علي الطبري في الإفصاح والروياني وغيرهما حل الشبع، قاله النووي أيضا.
وفي المسألة قول ثالث للشافعية وهو: أنه إن كان بعيدا من العمران حل الشبع وإلا فلا، وذكر إمام الحرمين والغزالي تفصيلا في المسألة، وهو: أنه إن كان في بادية وخاف إن ترك الشبع ألا يقطعها ويهلك، وجب القطع بأنه يشبع، وإن كان في بلد وتوقع طعاما طاهرا قبل عود الضرورة وجب القطع بالاقتصار على سد الرمق، وإن كان لا يظهر حصول طعام طاهر، وأمكن الحاجة إلى