وغاية ما في الوجه المذكور من التفسير: حذف مضاف، وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب إن دلت عليه قرينة؛ قال في الخلاصة:
وما يلي المضاف يأتي خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا
والقرينة في الآية الكريمة الدالة على المضاف المحذوف قوله:{فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} بإضافة الآية إلى الليل والنهار دليل على أن الآيتين المذكورتين لهما لاهما أنفسهما. وحذف المضاف كثير في القرآن، كقوله:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} أي: نكاحها، وقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} أي: أكلها، ونحو ذلك. وعلى القول بتقدير المضاف، وأن المراد بالآيتين الشمس والقمر = فالآيات الموضحة لكون الشمس والقمر آيتين تقدمت موضحة في سورة النحل.
الوجه الثاني من التفسير: أن الآية الكريمة ليس فيها مضاف محذوف، وأن المراد بالآيتين نفس الليل والنهار، لا الشمس والقمر.
وعلى هذا القول فإضافة الآية إلى الليل والنهار من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظ، تنزيلًا لاختلاف اللفظ منزلة الاختلاف في المعنى. وإضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظ كثيرة في القرآن وفي كلام العرب، فمنه في القرآن قوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ .. } الآية، ورمضان هو نفس الشهر بعينه على التحقيق، وقوله:{وَلَدَارُ الْآخِرَةِ .. } الآية، والدار هي الآخرة