المسألة الخامسة: إذا كان المضطر إلى الميتة محرما، وأمكنه الصيد فهل يقدم الميتة، أو الصيد؟
اختلفت العلماء في ذلك، فذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله- والشافعي في أصح القولين: إلى أنه يقدم الميتة. وعن الشافعي -رحمه الله تعالى- قول بتقديم الصيد، وهو مبني على القول بأن المحرم إن ذكى صيدا لم يكن ميتة.
والصحيح أن ذكاة المحرم للصيد لغو، ويكون ميتة، والميتة أخف من الصيد للمحرم، لأنه يشاركها في اسم الميتة ويزيد بحرمة الاصطياد، وحرمة القتل، وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان إن شاء الله في سورة المائدة.
وممن قال بتقديم الصيد للمحرم على الميتة أبو يوسف، والحسن، والشعبي، واحتجوا بأن الصيد يجوز للمحرم عند الضرورة، ومع جوازه والقدرة عليه تنفى الضرورة فلا تحل الميتة.
واحتج الجمهور بأن حل أكل الميتة عند الضرورة منصوص عليه، وإباحة الصيد للضرورة مجتهد فيها، والمنصوص عليه أولى، فإن لم يجد المضطر إلا صيدا، وهو محرم فله ذبحه وأكله، وله الشبع منه على التحقيق؛ لأنه بالضرورة وعدم وجود غيره صار مذكى ذكاة شرعية، طاهرا حلالا فليس بميتة، ولذا تجب ذكاته الشرعية، ولا يجوز قتله، والأكل منه بغير ذكاة. ولو وجد المضطر ميتة ولحم خنزير أو إنسان ميت فالظاهر تقديم الميتة على الخنزير ولحم الآدمي.