لشراء حاجتهم لعلم بهم أعداؤهم في ظنهم فهم معذورون، فالآية تدل على توكيل المعذور دون غيره. وإلى هذا ذهب أبو حنيفة. وهو قول سحنون من أصحاب مالك في التوكيل على الخصام.
قال ابن العربي: وكأنَّ سحنون تلقَّفه من أسد بن الفرات، فحكم به أيام قضائه. ولعله كان يفعل ذلك لأهل الظلم والجبروت إنصافًا منهم وإذلالًا لهم. وهو الحق، فإن الوكالة معونة ولا تكون لأهل الباطل اهـ.
وقال القرطبي: كلام ابن العربي هذا حسن؛ فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين أصحاء. والدليل على صحة جواز الوكالة للشاهد الصحيح: ما أخرجه الصحيحان وغيرهما عن أبي هريرة قال: كان لرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - سن من الإبل، فجاء يتقاضاه فقال:"أعطوه" فطلبوا سِنَّهُ فلم يجدوا إلا سنًا فوقها. فقال "أعطوه" فقال: أوفيتني أوفى الله لك. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن خيركم أحسنكم قضاء" لفظ البخاري.
فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي عليه، وذلك توكيل منه لهم على ذلك، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مريضًا ولا مسافرًا. وهذا يرد قول أبي حنيفة وسحنون في قولهما: إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح إلا برضا خصمه، وهذا الحديث خلاف قولهما اهـ كلام القرطبي.
ولا يخفى ما فيه؛ لأن أبا حنيفة وسحنونًا إنما خالفا في الوكالة على المخاصمة بغير إذن الخصم فقط، ولم يخالفا في