إلى الشركين بقوله:"ثم إن أطلقا التصرف وإن بنوع فمفاوضة. ولا يفسدها انفراد أحدهما بشيء، وله أن يتبرع إن استألفَ به أو خفَّ كإعارة آلة ودَفْع كِسْرة، ويُبْضع ويقارض ويودع لعُذْر وإلا ضمن، ويشارك في معيَّن ويقيل ويولِّي ويقبل المعيبَ وإن أبي الآخر، ويقر بدينٍ لمن لا يتهم عليه، ويبيع بالدين لا الشراء به؛ ككتابة وعتقٍ على مال، وإذنٌ لعبد في تجارة أو مفاوضة".
وقد قدمنا أن الشراء بالدين كالبيع به؛ فللشريك فعله بغير إذن شريكه على الصَّحيح من مذهب مالك خلافًا لخليل. وأمَّا الكتابة والعتق على المال وما عطف عليه؛ فلا يجوز شيء منه إلَّا بإذن الشريك.
واعلم: أن شركة المفاوضة هذه في مذهب مالك لا تتضمن شيئًا من أنواع الغرر التي حرمت من أجلها شركة المفاوضة عند الشَّافعية ومن وافقهم؛ لأنَّ ما استفاده أحد الشريكين المتفاوضين من طريق أخرى كالهبة والإرث، واكتساب مباح؛ كاصطياد واحتطاب ونحو ذلك لا يكون شيء منه لشريكه. كما أن ما لزمه غرمه خارجًا عن الشركة كأرش جناية، وثمن مغصوب ونحو ذلك، لا شيء منه على شريكه، بل يقتصر كل ما بينهما على ما كان متعلقًا بمال الشركة، فكل منهما وكيل عن صاحبه، وكفيل عليه في جميع ما يتعلق بمال الشركة، وهكذا اقتضاء العقد الذي تعاقدا عليه. فلا موجب للمنع ولا غرر في هذه الشركة عند المالكية؛ لأنهم لا يجعلون المتفاوضين شريكين في كل ما اكتسبا جميعًا حتَّى يحصل الغرر بذلك، ولا متضامنين في كل ما جنيا حتَّى يحصل الغرر