ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان سعيد يسميهم الفاسقين. اهـ من البخاري. وما روي عن علي رضي الله عنه من أنهم أهل حروراء المعروفون بالحروريين معناه أنهم يكون فيهم من معنى الآية بقدر ما فعلوا؛ لأنهم يرتكبون أمورًا شنيعة من الضلال، ويعتقدون أنها هي معنى الكتاب والسنة، فقد ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، وإن كانوا في ذلك أقل من الكفار المجاهرين؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما قد قدمنا إيضاحه وأدلته.
وقوله في هذه الآية الكريمة:{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ} أي بطل واضمحل. وقد قدمنا أن الضلال يطلق في القرآن واللغة العربية ثلاثة إطلاقات:
الأول: الضلال بمعنى الذهاب عن طريق الحق إلى طريق الباطل؛ كالذهاب عن الإسلام إلى الكفر، وهذا أكثر استعمالاته في القرآن؛ ومنه قوله تعالى: {غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)}، وقوله: {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧)}.
الثاني: الضلال بمعنى الهلاك والغيبة والاضمحلال، ومنه قول العرب: ضل السمن في الطعام إذا استهلك فيه وغاب فيه. ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)} أي غاب واضمحل، وقوله هنا:{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ} أي بطل واضمحل، وقول الشاعر:
ألم تسأل فتخبرك الديار ... عن الحي المضلل أين ساروا