حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .. } الآية، فجعل الموت على الكفر شرطًا في حبوط العمل. وبالأول قال مالك، ومن وافقه. وبالثاني قال الشافعي، ومن وافقه. وهما روايتان عن الإمام أحمد. وقد ذكرنا في غير هذا الموضع: أن قول الشافعي ومن وافقه في هذه المسألة أجرى على الأصول؛ لوجوب حمل المطلق على المقيد، ولاسيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا.
وأما على قول الجمهور بأنه غير كافر فقد اختلفوا أيضًا في وجوب القضاء عليه. اعلم أولًا أن علماء الأصول اختلفوا في الأمر بالعبادة المؤقتة بوقت معين، هل هو يستلزم الأمر بقضائها بعد خروج وقتها من غير احتياج إلى أمر جديد بالقضاء أو لا يستلزم القضاء بعد خروج الوقت، ولابد للقضاء من أمر جديد، فذهب أبو بكر الرازي من الحنفية وفاقًا لجمهور الحنفية إلى أن الأمر بالعبادة المؤقتة يستلزم الأمر بقضائها بعد خروج الوقت من غير احتياج إلى أمر جديد، واستدلوا لذلك بقاعدة هي قولهم: الأمر بالمركب أمر بكل جزء من أجزائه، فإذا تعذر بعض الأجزاء لزم فعل بعضها الذي لم يتعذر. فالأمر بالعبادة المؤقتة كالصلوات الخمس أمر بمركب من شيئين: الأول منهما: فعل العبادة. والثاني: كونها مقترنة بالوقت المعين لها، فإذا خرج الوقت تعذر أحدهما وهو الاقتران بالوقت المعين، وبقي الآخر غير متعذر وهو فعل العبادة، فيلزم من الأمر الأول فعل الجزء المقدور عليه؛ لأن الأمر بالمركب أمر بأجزائه.
وهذا القول صدر به ابن قدامة في روضة الناظر، وعزاه هو