للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإخبار عن سنة الله في الضالين، وعليه فالمعنى: أن الله أجرى العادة بأنه يمهل الضال ويملي له فيستدرجه بذلك، حتَّى يرى ما يوعده وهو في غفلة وكفر وضلال.

وتشهد لهذا الوجه آيات كثيرة، كقوله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ... } الآية، وقوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ..} الآية، كما قدمنا قريبًا بعض الآيات الدالة عليه.

ومما يؤيد هذا الوجه ما أخرجه ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حبيب بن أبي ثابت قال: في حرف أُبيّ: "قل من كان في الضلالة فإنه يزيده الله ضلالة" اهـ قاله صاحب الدر المنثور. ومثل هذا من جنس التفسير لا من جنس القراءة. فإن قيل على هذا الوجه؛ ما النكتة في إطلاق صيغة الطلب في معنى الخبر؟ فالجواب: أن الزمخشري أجاب في كشافه عن ذلك، قال: في تفسير قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}: أي مد له الرحمن، يعني أمهله وأملى له في العمر؛ فأخرج على لفظ الأمر إيذانًا بوجوب ذلك، وأنه مفعول لا محالة، كالمأمور به الممتثل لتنقطع معاذير الضال، ويقال له يوم القيامة: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} اهـ محل الغرض منه. وأظهر الأقوال عندي في قوله: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} أنَّه متعلق بما قبله لا بما يليه، والمعنى: فليمدد له الرحمن مدًّا حتَّى إذا رأى ما يوعد عَلِم أن الأمر على خلاف ما كان يظن. وقال: الزمخشري: إن {حَتَّى} في هذه الآية هي التي تحكى بعدها الجمل. واستدل على ذلك بمجيء الجملة الشرطية بعدها.