كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)}، وقوله في "الأعراف: {وَظَلَّلْنَا عَلَيهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠)} وقوله: {كُلُوا} في هذه الآيات مقول قول محذوف، أي وقلنا لهم: كلوا، والضمير المجرور في قوله:{وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ} راجع إلى الموصول الذي {مَا} أي كلوا من طيبات الذي رزقناكم {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ} أي فيما رزقناكم. ونهاهم عن الطغيان فيما رزقهم، وهو أن يتعدوا حدود الله فيه بأن يكفروا نعمته به، ويشغلهم اللهو والنعيم عن القيام بشكر نعمه، وأن ينفقوا رزقه الذي أنعم عليهم به في المعاصي، أو يستعينوا به على المعصية، أو يمنعوا الحقوق الواجبة عليهم فيه، ونحو ذلك.
وبين أن ذلك يسبب لهم أن يحل عليهم غضبه جل وعلا؛ لأن الفاء في قوله:{فَيَحِلَّ} سببية، والفعل منصوب بأن مضمرة بعدها؛ لأنه بعد النهي وهو طلب محض، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله:
وبعدَ فا جوابَ نفي أو طَلَب ... محضَين أن وسَتْره حتمٌ وجب
وقرأ هذا الحرف الكسائي (فَيَحُلّ) بضم الحاء (ومن يَحْلُل) بضم اللام. والباقون قرءوا "يحل" بكسر الحاء و {يَحْلِلْ} كسر اللام. وعلى قراءة الكسائي (فيَحُل) بالضم أي ينزل بكم غضبي. وعلى قراءة الجمهور فهو من حل يحل بالكسر: إذا وجب، ومنه = حل دينه إذا وجب أداؤه. {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيتِ الْعَتِيقِ (٣٣)}. وقوله:{فَقَدْ هَوَى} أي هلك وصار إلى الهاوية، وأصله أن