والثاني: ليس معلقًا على نفع للناذر، كأن يتقرب إلى الله تقربًا خالصًا بنذر كذا من أنواع الطاعة، وأن النهي إنما هو في القسم الأول، لأن النذر فيه لم يقع خالصًا للتقرب إلى الله، بل بشرط حصول نفع للناذر، وذلك النفع الذي يحاوله الناذر هو الذي دلت الأحاديث على أن القدر فيه غالب على النذر، وأن النذر لا يرد فيه شيئًا من القدر.
أما القسم الثاني: وهو نذر القربة الخالص من اشتراط النفع في النذر، فهو الذي فيه الترغيب والثناء على الموفين به المقتضي أنه من الأفعال الطيبة. وهذا التفصيل قالت به جماعة من أهل العلم.
وإنما قلنا: إنه لا ينبغي العدول عنه لأمرين.
الأول: أن نفس الأحاديث الواردة في ذلك فيها قرينة واضحة دالة عليه، وهو ما تكرر فيها من أن النذر لا يرد شيئًا من القدر، ولا يقدم شيئًا، ولا يؤخر شيئًا، ونحو ذلك، فكونه لا يرد شيئًا من القدر قرينة واضحة على أن الناذر أراد بالنذر جلب نفع عاجل، أو دفع ضر عاجل، فبين - صلى الله عليه وسلم - أن ما قضي الله به في ذلك واقع لا محالة، وأن نذر الناذر لا يرد شيئًا كتبه الله عليه، ولكنه إن قدر الله ما كان يريده الناذر بنذره، فإنه يستخرج بذلك من البخيل الشيء الذي نذر. وهذا واضح جدًّا كما ذكرنا.
الثاني: أن الجمع واجب إذا أمكن، وهذا جمع ممكن بين الأدلة واضح تنتظم به الأدلة، ولا يكون بينها خلاف. ويؤيده أن الناذر الجاهل قد يظن أن النذر قد يرد عنه ما كتبه الله عليه. هذا هو الظاهر في حل هذا الإِشكال. وقد قال به غير واحد. والعلم عند الله تعالى.