لم يجربن الأمور فلا يفطن لما تفطن له المجربات ذوات المكر والدها. وهذا النوع من سلامة الصدور وصفائها من الريبة من أحسن الثناء، وتطلق العرب على المتصفات به اسم البله مدحًا لها لا ذمًا، ومنه قول حسان رضي الله عنه:
نفخ الحقيبة بوصها متنضد ... بلهاء غير وشيكة الإِقسام
وقول الآخر:
ولقد لهوت بطفلة ميالة ... بلهاء تطلعني على أسرارها
وقول الآخر:
عهدت بها هندًا وهند غريرة ... عن الفحش بلهاء العشاء نؤوم
ردح الضحى ميالة بحترية ... لها منطق يصبي الحليم رخيم
والظاهر أن قوله تعالى: {لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)} محله فيما إذا لم يتوبوا ويصلحوا، فإن تابوا وأصلحوا، لم ينلهم شيء من ذلك الوعيد. ويدل له قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} إلى قوله {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} الآية.
وعمومات نصوص الكتاب والسنَّة دالة على أن من تاب إلى الله من ذنبه توبة نصوحًا تقبلها منه، وكفر عنه ذنبه ولو من الكبائر، وبه تعلم أن قول جماعة من أجلاء المفسرين: إن آية {الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} التي جعل الله فيها التوبة بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} عامة، وأن آية {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} الآية. خاصة بالذين رموا عائشة رضي الله عنها أو غيرها من خصوص أزواجه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن من رماهن لا توبة له، خلاف التحقيق. والعلم عند الله تعالى.