المسألة الأولى: لا يخفى أن الآية إنما نصت على قذف الذكور للإِناث خاصة؛ لأن ذلك هو صريح قوله:{الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} وقد أجمع جميع المسلمين على أن قذف الذكور للذكور، أو الإِناث للإِناث، أو الإِناث الذكور لا فرق بينه وبين ما نصت عليه الآية من قذف الذكور للإِناث، للجزم بنفي الفارق بين الجميع.
وقد قدمنا إيضاح هذا، وإبطال قول الظاهرية فيه، مع إيضاح كثير من نظائره في سورة الأنبياء في كلامنا الطويل على آية {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} الآية.
المسألة الثانية: اعلم أن المقرر في أصول المالكية، والشافعية والحنابلة أن الاستثناء إذا جاء بعد جمل متعاطفات، أو مفردات متعاطفات، أنَّه يرجع لجميعها إلَّا لدليل من نقل أو عقل يخصصه ببعضها، خلافًا لأبي حنيفة القائل برجوع الاستثناء للجملة الأخيرة فقط، وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله:
وكل ما يكون فيه العطف ... من قبل الاستثنا فكلًّا يقفو
دون دليل العقل أو ذي السمع ... والحق الافتراق دون الجمع
ولذا لو قال إنسان: هذه الدار وقف على الفقراء والمساكين، وبني زُهرة، وبني تميم، إلَّا الفاسق منهم، فإنه يخرج من الوقف الفاسق من الجميع؛ برجوع الاستثناء للجميع، خلافًا لأبي حنيفة القائل برجوعه للأخيرة، فلا يخرج عنده إلَّا فاسق الأخيرة فقط، ولأجل ذلك لا يرجع عنده الاستثناء في هذه الآية إلَّا للجملة الأخيرة التي هي {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فقد