زال عنهم الفسق. ولا يقول: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا إلَّا الذين تابوا فاقبلوا شهادتهم، بل يقول: إن شهادة القاذف لا تقبل أبدًا، ولو تاب وأصلح، وصار أعدل أهل زمانه؛ لرجوع الاستثناء عنده للجملة الأخيرة.
وممن قال كقول أبي حنيفة من أهل العلم: القاضي شريح، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومكحول، وعبد الرحمن بن زيد بن جابر، وقال الشعبي والضحاك: لا تقبل شهادته إلَّا إذا اعترف على نفسه بالكذب. قاله ابن كثير.
وقال جمهور أهل العلمِ منهما الأئمة الثلاثة: إن الاستثناء في الآية راجع أيضًا لقوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} وأن القاذف إذا تاب وأصلح قبلت شهادته.
أما قوله:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فلا يرجع له الاستثناء؛ لأن القاذف إذا تاب وأصلح لا يسقط عنه حد القذف بالتوبة.
فتحصل أن الجملة الأخيرة التي هي قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤)} يرجع لها الاستثناء بلا خلاف، وأن الجملة الأولى التي هي {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} لا يرجع لها الاستثناء في قول عامة أهل العلم، ولم يخالف إلَّا من شذ، وأن الجملة الوسطى، وهي قوله:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} يرجع لها الاستثناء في قول جمهور أهل العلم، منهم الأئمة الثلاثة خلافًا لأبي حنيفة، وقد ذكرنا في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آية الكتاب، أن الذي يظهر لنا في مسألة الاستثناء بعد جمل متعاطفات أو مفردات متعاطفات هو ما ذكره بعض المتأخرين، كابن الحاجب من المالكية، والغزالي من الشافعية، والآمدي من الحنابلة من أن الحكم في الاستثناء الآتي بعد متعاطفات