هو الوقف، ولا يحكم برجوعه إلى الجميع، ولا إلى الأخيرة إلَّا بدليل.
وإنَّما قلنا: إن هذا هو الأظهر لأن الله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية.
وإذا رددنا النزاع في هذه المسألة إلى الله وجدنا القرآن دالًا على ما ذكرنا أنَّه الأظهر عندنا، وهو الوقف. وذلك لأن بعض الآيات لم يرجع فيها الاستثناء للأولى، وبعضها لم يرجع فيه الاستثناء للأخيرة، فدل ذلك على أن رجوعه لما قبله ليس شيئًا مطردًا.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} فالاستثناء في هذه الآية راجع للدية فقط، لأن المطالبة بها تسقط بتصدق مستحقها بها، ولا يرجع لتحرير الرقبة إجماعًا، لأن تصدق مستحقي الدية بها لا يسقط كفارة القتل خطأ.
ومن أمثلة ذلك آية النور هذه؛ لأن الاستثناء في قوله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} لا يرجع لقوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} كما ذكرناه آنفًا.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} فالاستثناء في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} لا يرجع إلى الجملة الأخيرة التي هي أقرب الجمل المذكورة إليه، أعني قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩)} إذ لا يجوز اتخاذ ولي ولا نصير من الكفار ولو وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، وهذا لا خلاف فيه، بل الاستثناء راجع إلى الجملتين