الأوليين، أعني قوله تعالى:{فَحُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} أي: فخذوهم بالأسر، واقتلوهم، إلَّا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، فليس لكم أخذهم بأسر، ولا قتلهم؛ لأن الميثاق الكائن لمن وصلوا إليهم يمنع من أسرهم، وقتلهم، كما اشترطه هلال بن عويمر الأسلمي في صلحه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن هذه الآية نزلت فيه، وفي سراقة بن مالك المدلجي، وفي بني جذيمة بن عامر.
وإذا كان الاستثناء ربما لم يرجع إلى أقرب الجمل إليه في القرآن العظيم الذي هو في الطرف الأعلى من الإعجاز، تبين أنَّه لم يلزم رجوعه للجميع، ولا إلى الأخيرة، وأن الأَظهر الوقف حتَّى يعلم ما يرجع إليه من المتعاطفات قبله بدليل، ولا يبعد أنَّه إن تجرد من القرائن والأدلة، كان ظاهرًا في رجوعه للجميع.
وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، ولذلك اختصرناه هنا. والعلم عند الله تعالى.
المسألة الثالثة: اعلم أن من قذف إنسانًا بغير الزنى أو نفي النسب، كأن يقول له: يا فاسق، أو يا آكل الرِّبَا، ونحو ذلك من أنواع السب يلزمه التعزير، وذلك بما يراه الإِمام رادعًا له، ولأمثاله من العقوبة من غير تحديد شيء في ذلك من جهة الشرع.
وقال بعض أهل العلم: لا يبلغ بالتعزير قدر الحد، وقال بعض العلماء: إن التعزير بحسب اجتهاد الإمام فيما يراه رادعًا مطلقًا. والعلم عند الله تعالى.
المسألة الرابعة: اعلم أن جمهور العلماء على أن العبد إذا قذف حرًا يجلد أربعين؛ لأنه حد يتشطر بالرق كحد الزنى.