قد قدمنا في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} الآية. أن الو إذا قذف عبدًا لا يحد به، وذلك ثابت في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال:"من قذف عبده بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلَّا أن يكون كما قال". اهـ. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح:"أقيم عليه الحد يوم القيامة" يدل على أنَّه لا يقام عليه الحد في الدنيا، وهو كذلك، وهذا لا نزاع فيه بين من يعتد به من أهل العلم.
قال القرطبي: قال العلماء: وإنَّما كان ذلك في الآخرة؛ لارتفاع الملك، واستواء الشريف والوضيع، والحر والعبد، ولم يكن لأحد فضل إلَّا بالتقوى، ولما كان ذلك تكافأ الناس في الحدود والحرمة، واقتص لكل واحد من صاحبه إلَّا أن يعفو المظلوم. انتهى محل الغرض من كلام القرطبي.
المسألة الخامسة: اعلم أن العلماء أجمعوا على أنَّه إذا صرح في قذفه له بالزنى كان قذفًا ورميًا موجبًا للحد، وأما إن عرَّض ولم يصرح القذف، وكان تعريضه يفهم منه بالقرائن أنَّه يقصد قذفه، كقوله: أما أنا فلست بزان، ولا أمي بزانية، أو ما أنت بزان، ما يعرفك الناس بالزنى، أو يا حلال بن الحلال، أو نحو ذلك.
فقد اختلف أهل العلم: هل يلزم حد القذف بالتعريض المفهم للقذف وإن لم يصرح، أو لا يحد حتَّى يصرح بالقذف تصريحًا واضحًا لا احتمال فيه؟ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التعريض لا يوجب الحد ولو فهم منه إرادة القذف إلَّا أن يقر أنَّه أراد به القذف.