قال ابن قدامة في المغني: وهذا القول هو رواية حنبل عن الإِمام أحمد، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي بكر، وبه قال عطاء، وعمرو بن دينار، وقَتَادة، والثوري، والشافعي، وأَبو ثور، وأصحاب الرأي، وابن المنذر.
واحتج أهل هذا القول بكتاب وسنَّة.
أما الكتاب فقوله تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} ففرق تعالى بين التصريح للمعتدة، والتعريض، قالوا: ولم يفرق الله بينهما في كتابه إلَّا لأن بينهما فرقًا، ولو كانا سواء لم يفرق بينهما في كتابه.
وأما السنَّة: فالحديث المتفق عليه الذي قدمناه مرارًا في الرجل الذي جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له:"إن امرأتي ولدت غلامًا أسود" وهو تعريض بنفيه، ولم يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا قذفًا، ولم يدعهما للعان، بل قال للرجل: ألك إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقًا، قال: ومن أين جاءها ذلك؟ قال: لعل عرقًا نزعه، قال: وهذا الغلام الأسود لعل عرقًا نزعه. قالوا: ولأن التعريض محتمل لمعنى آخر غير القذف، وكل كلام يحتمل معنيين لم يكن قذفًا.
هذا هو حاصل حجة من قالوا بأن التعريض بالقذف لا يوجب الحد، وإنَّما يجب الحد بالتصريح بالقذف.
وذهبت جماعة آخرون من أهل العلم إلى أن التعريض بالقذف يجب به الحد، وهو مذهب مالك وأصحابه. وقال ابن قدامة في المغني: وروى الأثرم وغيره عن الإِمام أحمد أن عليه الحد. يعني