ولنا قول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ولم يفرق بين قذف واحد أو جماعة، ولأن الذين شهدوا على المغيرة قذفوا امرأة، فلم يحدهم عمر إلَّا حدًا واحدًا، ولأنه قذفٌ واحد فلم يجب إلَّا حد واحد، كما لو قذف واحدًا، ولأن الحد إنما وجب بإدخال المعرة على المقذوف بقذفه، وبحد واحد يظهر كذب هذا القاذف، وتزول المعرة، فوجب أن يكتفى به بخلاف ما إذا قذف كل واحد قذفًا منفردًا، فإن كذبه في قذف لا يلزم منه كذبه في آخر، ولا تزول المعرة عن أحد المقذوفين بحده للآخر. فإذا ثبت هذا فإنهم إن طلبوه جملة حدَّ لهم، وإن طلبه واحد أقيم الحد؛ لأن الحق ثابت لهم على سبيل البدل، فأيهم طالب به استوفى، وسقط فلم يكن لغيره الطلب به، كحق المرأة على أوليائها في تزويجها، إذا قام به واحد سقط عن الباقين، وإن أسقطه أحدهم فلغيره المطالبة به، واستيفاؤه؛ لأن المعرة لم تزل عنه بعفو صاحبه، وليس للعافي الطلب به؛ لأنه قد أسقط حقه.
وروى عن أحمد رحمه الله رواية أخرى أنهم إن طلبوه دفعة واحدة فحدَّ واحد، وكذلك إن طلبوه واحدًا بعد واحد إلَّا أنَّه لم يقم حتَّى طلبه الكل فحد واحد، وإن طلبه واحد فأقيم له، ثم طلبه آخر أقيم له، وكذلك جميعهم. وهذا قول عروة؛ لأنهم إذا اجتمعوا على طلبه، وقع استيفاؤه لجميعهم. وإذا طلبه واحد منفردًا كان استيفاؤه له وحده، فلم يسقط حق الباقين بغير استيفائهم، ولا إسقاطهم. وإن قذف الجماعة بكلمات فلكل واحد حد، وبهذا قال عطاء، والشعبي، وقتادة، وابن أبي ليلى، وأَبو حنيفة، والشافعي. وقال حمَّاد ومالك: لا يجب إلَّا حد واحد؛ لأنها جناية توجب حدًا، فإذا