للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حد؛ لأنه لم يلحق العار بأحد غير نفسه للعلم بكذبه. انتهى منه.

المسألة الخامسة عشرة: اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم عندنا فيمن قال لرجل: أنت أزنى من فلان، فهو قاذف لهما، وعليه حدان؛ لأن قوله: أزنى صيغة تفضيل، وهي تدل على اشتراك المفضل، والمفضل عليه في أصل الفعل إلَّا أن المفضل أفضل فيه من صاحبه المشارك له فيه، فمعنى كلامه بدلالة المطابقة في صيغة التفضيل: أنت وفلان زانيان، ولكنك تفوقه في الزنى. وكون هذا قذفًا لهما واضح كما ترى. وبه تعلم أن أحد الوجهين عند الحنابلة أنَّه يحد للمخاطب فقط، دون فلان المذكور لا ينبغي أن يعول عليه، وكذلك ما عزاه ابن قدامة للشافعي، وأصحاب الرأي من أنَّه ليس بقذف للأول، ولا للثاني إلَّا أن يريد به القذف، كل ذلك لا يصح ولا ينبغي التعويل عليه؛ لأن صيغة أنت أزنى من فلان قذف صريح لهما بعبارة واضحة، لا إشكال فيها.

وقال ابن قدامة في المغني محتجًا للوجه الذي ذكرنا عن الحنابلة أنَّه لا حد على الثاني ما نصه: والثاني يكون قذفًا للمخاطب خاصة؛ لأن لفظة أفعل قد تستعمل للمنفرد بالفعل، كقول الله تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} وقال تعالى: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} وقال لوط: {بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أي: من أدبار الرجال، ولا طهارة فيها = لا ينبغي التعويل عليه، كما أنَّه هو ساقه، ولم يعول عليه.

وحاصل الاحتجاج المذكور: أن صيغة التفضيل قد ترد مرادًا بها مطلق الوصف، لا حصول التفضيل بين شيئين، ومثل له هو بكلمة: أحق أن يتبع، وكلمة: أحق بالأمن، وكلمة: أطهر لكم؛ لأن