بعض الناس قال: أيظن محمد وأصحابه أن يغلبوا الروم، وفارس، كما غلبوا العرب زاعما أن الروم وفارس لا يغلبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لكثرتهم وقوتهم فأنزل الله الآية. وهو يدل على أن الغلبة المذكورة فيها غلبة بالسيف والسنان؛ لأن صورة السبب لا يمكن إخراجها، ويدل له قوله قبله: {أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠)} وقوله بعده: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)}.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب، أننا نستشهد للبيان بالقراءة السبعية بقراءة شاذة، فيشهد للبيان الذي بينا به أن نائب الفاعل ربيون، وأن بعض القراء غير السبعة قرأ قتل معه ربيون بالتشديد؛ لأن التكثير المدلول عليه بالتشديد يقتضي أن القتل واقع على الربيين، ولهذه القراءة رجح الزمخشري، والبيضاوي، وابن جني، أن نائب الفاعل ربيون، ومال إلى ذلك الألوسي في تفسيره مبينا أن دعوى كون التشديد لا ينافي وقوع القتل على النبي -لأن "كَأَيِّنْ" إخبار بعدد كثير، أي: كثير من أفراد النبي قتل- خلاف الظاهر، وهو كما قال.
فإن قيل: قد عرفنا أن نائب الفاعل المذكور محتمل لأمرين، وقد ادعيتم أن القرآن دل على أنه ربيون، لا ضمير النبي لتصريحه بأن الرسل غالبون، والمقتول غير غالب، ونحن نقول: دل القرآن في آيات أخر على أن نائب الفاعل ضمير النبي، لتصريحه في آيات كثيرة بقتل بعض الرسل كقوله: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧)} وقوله: {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} الآية، فما وجه ترجيح ما استدللتم به على أن النائب