{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وقوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فلا ينبغي للولد أن يطلب حد والده للتشفي منه. وقول المالكية في هذه المسألة في غاية الإشكال؛ لأنهم يقولون: إن الولد يمكن من حد والده القاذف له، وأَنه يعد بحده له فاسقًا بالعقوق، كما قال خليل في مختصره:"وله حد أبيه وفسق"، ومعلوم أن الفسق لا يكون إلَّا بارتكاب كبيرة، والشرع لا يمكن أحدًا من ارتكاب كبيرة، كما ترى، مع أن الروايات عن مالك نفسه ظاهرها عدم الحد. وقاله غير واحد من أهل مذهبه.
المسألة السادسة والعشرون: في حكم من قتل أو أصاب حدًا خارج الحرم، ثم لجأ إلى الحرم، هل يستوفى منه الحق في الحرم، أو لا يستوى منه حتَّى يخرج من الحرم؟
اعلم أن هذه المسألة فيها للعلماء ثلاثة مذاهب:
الأول: أنَّه يستوفي منه الحق قصاصًا كان أو حدًا قتلًا كان أو غيره.
الثاني: أنَّه لا يستوفي منه حد ولا قصاص ما دام في الحرم سواء كان قتلًا أو غيره.
الثالث: أنَّه يستوفى منه كل شيء من الحدود إلَّا القتل، فإنه لا يقتل في الحرم في حد كالرجم، ولا في قصاص.
والخلاف في هذه المسألة مشهور عند أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: وجملته أن من جنى جناية توجب قتلًا خارج الحرم، ثم لجأ إليه لم يستوف منه فيه، وهذا قول ابن عباس، وعطاء، وعبيد بن عمير، والزهري، وإسحاق ومجاهد، والشعبي، وأبي حنيفة وأصحابه.