أحدًا، أي: تعرفت واستعلمت. ومن هذا المعنى قوله تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} أي: علمتم رشدهم وظهر لكم، وقوله تعالى عن موسى:{إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} وقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَي مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} الآية، فمعنى آنس نارًا: رآها مكشوفة. ومن هذا المعنى قول نابغة ذبيان:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد
من وحش وجرة موشى أكارعه ... طاوي المصير كسَيْفِ الصيقل الفرد
فقوله: على مستأنس يعني: حمار وحش شبه به ناقته. ومعنى كونه مستأنسًا أنه يستكشف، ويستعلم القانصين بشمه ريحهم وحدة بصره في نظره إليهم. ومنه أيضًا قول الحارث بن حلزة اليشكري يصف نعامة شبه بها ناقته.
آنست نبأة وأفزعها القنا ... ص عصرًا وقد دنا الإِمساء
فقوله: آنست نبأة، أي: أحست بصوت خفي.
وهذا الوجه الذي هو أن معنى تستأنسوا تستكشفوا وتستعلموا، هل يؤذن لكم، وذلك الاستعلام والاستكشاف إنما يكون بالاستئذان، أظهر عندي وإن استظهر بعض أهل العلم الوجه الأول. وهناك وجه ثالث في تفسير الآية تركناه لعدم اتجاهه عندنا.
وبما ذكرنا تعلم أنما يروى عن ابن عباس وغيره من أن أصل الآية: حتى تستأذنوا وأن الكاتبين غلطوا في كتابتهم، فكتبوا تستأنسوا غلطًا بدل تستأذنوا لا يعول عليه، ولا يمكن أن يصح عن ابن عباس، وإن صحح سنده عنه بعض أهل العلم. ولو فرضنا صحته فهو من