وعن ابن زيد كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنى، إلَّا هذا فإنه أراد به الاستتار. اهـ كلام الزمخشري.
وما نقل عن ابن زيد من أن المراد بحفظ الفرج في هذه الآية الاستتار فيه نظر. بل يدخل فيه دخولًا أوليًا حفظه من الزنى واللواط. ومن الأدلة على ذلك تقديمه الأمر بغض البصر على الأمر بحفظ الفرج، لأن النظر بريد الزنى كما سيأتي إيضاحه قريبًا إن شاء الله تعالى وما ذكر جواز النظر إليه من المحارم لا يخلو بعضه من نظر. وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى وتفصيله في سورة الأحزاب، كما وعدنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك، أنا نوضح مسألة الحجاب في سورة الأحزاب.
وقول الزمخشري: إن "من" في قوله: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} للتبعيض قاله غيره، وقواه القرطبي بالأحاديث الواردة في أن نظرة الفجاءة لا حرج فيها، وعليه أن يغض بصره بعدها، ولا ينظر نظرًا عمدًا إلى ما لا يحل. وما ذكره الزمخشري عن الأخفش، وذكره القرطبي وغيرهما من أن من زائدة لا يعول عليه.
وقال القرطبي: وقيل: الغض: النقصان. يقال: غض فلان من فلان، أي: وضع منه، فالبصر إذا لم يمكن من عمله، فهو موضوع منه ومنقوص، فَمِنْ صلة للغض، وليست للتبعيض، ولا للزيادة. اهـ منه.
والأظهر عندنا أن مادة الغض تتعدى إلى المفعول بنفسها وتتعدي إليه أيضًا بالحرف الذي هو من، ومثل ذلك كثير في كلام العرب. ومن أمثلة تعدي الغض للمفعول بنفسه قول جرير:
فغضّ الطّرف إنك من نمير ... فلا كعبًا بلغت ولا كلابا