للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانية منهما: قوله تعالى في آية فاطر: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢)} وآية فاطر هذه كآية النمل والروم المتقدمتين؛ لأن المراد بقوله فيها: (من في القبور) المِوتى، فلا فرق بين قوله {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} وبين قوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢)} لأن المراد بالموتى ومن في القبور واحد، كقوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)} أي يبعث جميع الموتى: من قبر منهم ومن لم يقبر. وقد دلت قرائن قرآنية أيضًا على أن معنى آية فاطر هذه كمعنى آية الروم، منها قوله تعالى قبلها: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} الآية؛ لأن معناها: لا ينفع إنذارك إلَّا من هداه الله ووفقه فصار ممن يخشى ربه بالغيب، ويقيم الصلاة، وما أنت بمسمع من في القبور، أي: الموتى، أي: الكفار الذين سبق لهم الشقاء كما تقدم. ومنها قوله تعالى أيضًا: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩)} أي: المؤمن والكافر، وقوله تعالى قبلها: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} أي: المؤمنون والكفار، ومنها قوله تعالى بعده: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣)} أي: ليس الإضلال والهدى بيدك ما أنت إلَّا نذير، أي: وقد بلغت.

التفسير الثاني: هو أن المراد بالموتى الذين ماتوا بالفعل، ولكن المراد بالسماع المنفى في قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به، وأن هذا مثل ضرب للكفار، والكفار يسمعون الصوت، لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتباع كما قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفى عنهم جميع أنواع السماع، كما لم ينف ذلك عن الكفار، بل قد انتفى عنهم