للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللفظين صريحان في الظهار، فعلى هذه الرِّواية لو وصله بقوله: أعني به الطلاق، فهل يكون طلاقًا أو ظهارًا؟ على روايتين: إحداهما: يكون ظهارًا كما لو قال: أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق، أو التحريم، إذ التحريم صريح في الظهار. والثانية: أنَّه طلاق؛ لأنَّه قد صرح بإرادته بلفظ يحتمله، وغايته أنَّه كناية فيه، فعلى هذه الرِّواية إن قال: أعني به طلاقًا طلقت واحدة، وإن قال: أعني به الطلاق، فهل تطلق ثلاثًا أو واحدة؟ على روايتين، مأخذهما هل اللام على الجنس أو العموم. وهذا تحرير مذهبه وتقريره، وفي المسألة مذهب آخر وراء هذا كله، وهو أنَّه إن أوقع التحريم، كان ظهارًا ولو نوى به الطلاق، وإن حلف به كان يمينًا مكفرة، وهذا اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية، وعليه يدل النص والقياس، فإنَّه إذا أوقعه كان قد أتى منكرًا من القول وزورًا، وكان أولى بكفارة الظهار ممن شبه امرأته بالمحرمة، وإذا حلف به كان يمينًا من الإيمان كما لو حلف بالتزام الحج والعتق والصدقة، وهذا محض القياس والفقه، ألا ترى أنَّه إذا قال: للَّه عليَّ أن أعتق، أو أحج، أو أصوم لزمه، ولو قال: إن كلمت فلانًا فللَّه عليَّ ذلك، على وجه اليمين، فهو يمين، وكذلك لو قال: هو يهودي، أو نصراني كفر بذلك. ولو قال: إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني كان يمينًا، وطرد هذا، بل نظيره من كل وجه أنَّه إذا قال: أنت علي كظهر أمي كان ظهارًا، فلو قال: إن فعلت كذا، فأنت علي كظهر أمي كان يمينًا، وطرد هذا أيضًا إذا قال: أنت طالق كان طلاقًا، ولو قال: إن فعلت كذا فأنت طالق كان يمينًا، فهذه هي الأصول الصحيحة المطردة المأخوذة من الكتاب والسنَّة والميزان. وباللَّه التوفيق، انتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى.