للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث: أن الله جل وعلا يبعث من يموت، وأن الأمر ليس كما يقوله الكفار في قوله تعالى عنهم: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}، وقوله: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}، وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ}.

أما الدليل من القرآن على أن المقسم عليه محذوف فهو قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢)}؛ لأن الإضراب بقوله (بل) دليل واضح على المقسم عليه المحذوف. أي ما الأمر كما يقوله الذين كفروا، بل الذين كفروا في عزة، أي في حمية وأنفة واستكبار عن الحق، وشقاق، أي مخالفة ومعاندة.

وأما دلالة استقراء القرآن على أن المنفي المحذوف شامل للأمور الثلاثة المذكورة، فلدلالة آيات كثيرة: أما صحة رسالة الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكون الإله المعبود واحدًا لا شريك له، فقد أشار لهما هنا.

أما كون الرسول مرسلًا حقًا ففي قوله تعالى هنا: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤)} يعني: أي لا وجه للعجب المذكور, لأن يجيء المنذر الكائن منهم، ولا شك في أنه بإرسال من الله حقًا.

وقولهم: {هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤)} إنما ذكره تعالى إنكارًا عليهم وتكذيبًا لهم، فعرف بذلك أن في ضمن المعنى: والقرآن ذي الذكر إنك مرسل حقًا، ولو عجبوا من مجيئك منذرًا، وزعموا أنك ساحر كذاب، أي فهم الذين عجبوا من الحق الذي لا شك فيه، وزعموا أن خاتم الرسل، وأكرمهم على الله، ساحر كذاب.