{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧)} ثم أتبع ذلك بما يدل على أن المراد به آلة الوزن المعروفة، وذلك في قوله: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)}؛ لأن الميزان الذي نهوا عن إخساره هو أخو المكيال، كما قال تعالى: {أَوْفُوا الْكَيلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}، وقال تعالى: {وَيلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)}، وقال تعالى عن نبيه شعيب:{وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَانَ} الآية، وقال تعالى عنه أيضًا:{قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيلَ وَالْمِيزَانَ} الآية، وقال تعالى في سورة الأنعام:{وَأَوْفُوا الْكَيلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}، وقال تعالى في سورة بني إسرائيل: {وَأَوْفُوا الْكَيلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحْسَنُ تَأْويلًا (٣٥)}.
فإن قيل: قد اخترتم أن المراد بالميزان في سورة الشورى وسورة الحديد، هو العدل والإِنصاف، وأن المراد بالميزان في سورة الرحمن هو آلة الوزن المعروفة، وذكرتم نظائر ذلك من الآيات القرآنية، وعلى هذا الذي اخترتم يشكل الفرق بين الكتاب والميزان؛ لأن الكتب السماوية كلها عدل وإنصاف.
فالجواب من وجهين:
الأول منهما: هو ما قدمنا مرارًا من أن الشيء الواحد إذا عبر عنه بصفتين مختلفتين جاز عطفه على نفسه، تنزيلًا للتغاير بين الصفات منزلة التغاير في الذوات، ومن أمثلة ذلك في القرآن قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤)} فالموصوف واحد والصفات مختلفة، وقد ساغ