للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخلق الخلق، وعلم أن قومًا صائرون إلى الشقاء وقومًا صائرون إلى السعادة، فريق في الجنة وفريق في السعير، وأقام الحجة على الجميِع ببعث الرسل وتأييدهم بالمعجزات التي لا تترك في الحق لبسًا، فقامت عليهم حجة الله في أرضه بذلك.

ثم إنه تعالى وفق من شاء توفيقه، ولم يوفق من سبق لهم في علمه الشقاء الأزلي، وخلق لكل واحد منهم قدرة وإرادة يقدر بها على تحصيل الخير والشر، وصرف قُدَرهم وإرادتهم بقدرته وإرادته إلى ما سبق لهم في علمه من أعمال الخير المستوجبة للسعادة وأعمال الشر المستوجبة للشقاء.

فأتوا كل ما أتوا وفعلوا كل ما فعلوا، طائعين مختارين، غير مجبورين ولا مقهورين، {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)}.

وادعاء أن العبد مجبور لا إرادة له، ضروريُّ السقوط عند عامة العقلاء.

ومن أعظم الضروريات الدالة عليه: أن كل عاقل يعلم أن بين الحركة الاختيارية والحركة الاضطرارية كحركة المرتعش، فرقًا ضروريًا لا ينكره عاقل.

وأنك لو ضربت من يدعي أن الخلق مجبورون، وفقأت عينه مثلًا، وقتلت ولده، واعتذرت له بالجبر، فقلت له: أنا مجبور ولا إرادة لي في هذا السوء الذي فعلته بك، بل هو فعل الله، وأنا لا دخل لي فيه، فإنه لا يقبل منك هذه الدعوى بلا شك، بل يبالغ في إرادة الانتقام منك، قائلًا: إن هذا بإرادتك ومشيئتك.