وعلا، ومن كثرة الآيات القرآنية الدالة على إقامة هذا البرهان القاطع المذكور على توحيده جل وعلا، علم من استقراء القرآن أن العلامة الفارقة بين من يستحق العبادة وبين من لا يستحقها، هي كونه خالقًا لغيره، فمن كان خالقًا لغيره فهو المعبود بحق، ومن كان لا يقدر على خلق شيء فهو مخلوق محتاج، لا يصح أن يعبد بحال.
فالآيات الدالة على ذلك كثيرة جدًّا، كقوله تعالى في آية البقرة المذكورة آنفًا:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية، فقوله:{الَّذِي خَلَقَكُمْ} مهو يدل على أن المعبود هو الخالق وحده، وقوله تعالى:{جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ} الآية. يعني: وخالق كل شيء هو المعبود وحده.
وقد أوضح تعالى هذا في سورة النحل؛ لأنه تعالى لما ذكر فيها البراهين القاطعة على توحيده جل وعلا، في قوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣)} إلى قوله: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)} أتبع ذلك بقوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧)}.
وذلك واضح جدًّا في أن من يخلق غيره هو المعبود، وأن من لا يخلق شيئًا لا يصح أن يعبد.
ولهذا قال تعالى بعده قريبًا منه: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠)}، وقال تعالى في الأعراف: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١)}، وقال تعالى في الحج: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا