وقال بعض العلماء في قوله:{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} أي لا ترفعوا عنده الصوت كرفع بعضكم صوته عند بعض.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير الآية ما نصه: وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقًا، حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة، وجلالة مقدارها، وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها. انتهى محل الغرض منه.
وظاهر هذه الآية الكريمة أن الإِنسان قد يحبط عمله وهو لا يشعر، وقد قال القرطبي: إنه لا يحبط عمله بغير شعوره. وظاهر الآية يرد عليه.
وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية، ما نصه: وقوله عزَّ وجلَّ: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)} أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه، فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري، كما جاء في الصحيح:"إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالًا يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالًا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض". اهـ محل الغرض منه بلفظه.
ومعلوم أن حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته كحرمته في أيام حياته، وبه تعلم أن ما جرت به العادة اليوم من اجتماع الناس قرب قبره - صلى الله عليه وسلم - وهم في صخب ولغط وأصواتهم مرتفعة ارتفاعًا مزعجًا، كله لا يجوز ولا يليق، وإقرارهم عليه من المنكر.