والأظهر أن هذا المصدر المنكر حال كما قدمنا نحوه مرارًا، أي فالجاريات في حال كونها ميسرة مسخرًا لها البحر.
ويدل لهذا القول كثرة إطلاق الوصف بالجري على السفن، كقوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ} الآية، وقوله: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١)}، وقوله تعالى:{وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ}، وقوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ}، إلى غير ذلك من الآيات.
وقيل: الجاريات الرياح. وقيل غير ذلك.
وقوله تعالى: {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)}: هي الملائكة يرسلها الله في شؤون وأمور مختلفة، ولذا عبر عنها بالمقسمات. ويدل لهذا قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥)}، فمنهم من يرسل لتسخير المطر والريح، ومنهم من يرسل لكتابة الأعمال، ومنهم من يرسل لقبض الأرواح، ومنهم من يرسل لإهلاك الأمم، كما وقع لقوم صالح.
والتحقيق أن قوله:(أمرًا) مفعول به للوصف الذي هو المقسمات، وهو مفرد أريد به الجمع، وقد أوضحنا أمثلة ذلك في القرآن العظيم وفي كلام العرب، مع تنكير المفرد كما هنا، وتعريفه وإضافته في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى:{ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}.
والمقسم عليه بهذه الأقسام هو قوله: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)}، والموجب لهذا التوكيد هو شدة إنكار الكفار للبعث والجزاء.
وقوله:{إِنَّمَا تُوعَدُونَ}(ما)، فيه موصولة والعائد إلى الصلة