للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَاتَّبِعُونِي} الآية، ويقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية.

ويقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، ومن طاعته اتباعه فيما أمر به كله إلا ما قام فيه دليل على الخصوص به - صلى الله عليه وسلم -، وكون شرع من قبلنا الثابت بشرعنا شرعاً لنا إلا بدليل على النسخ هو مذهب الجمهور، منهم مالك وأبو حنيفة، وأحمد في أشهر الروايتين، وخالف الإمام الشافعي رحمه الله في أصح الروايات عنه، فقال: إن شرع من قبلنا الثابت بشرعنا ليس شرعاً لنا إلا بنص من شرعنا على أنه مشروع لنا، وخالف أيضاً في الصحيح عنه في أن الخطاب الخاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، يشمل حكمه الأمة. واستدل للأول بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}. وللثاني: بأن الصيغة الخاصة بالرسول لا تشمل الأمة وضعاً، فإدخالها فيها صرف للفظ عن ظاهره، فيحتاج إلى دليل منفصل، وحمل الهدى في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، والدين في قوله: { * شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} الآية على خصوص الأصول التي هي التوحيد، دون الفروع العملية؛ لأنه تعالى قال في العقائد: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)}.

وقال في الفروع العلمية: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}، فدل ذلك على اتفاقهم في الأصول، واختلافهم في الفروع، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنا معشر الأنبياء إخوة لعلات ديننا واحد"، أخرجه البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.