للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق. هذا هو حاصل مذاهب الأئمة الأربعة رضي الله عنهم في تعيين ما تجب فيه الزكاة مما تنبته الأرض، وسنشير إن شاء الله إلى دليل كل واحد منهم فيما ذهب إليه.

أما أبو حنيفة: فقد احتج على وجوب الزكاة في كل ما تنبته الأرض من قليل وكثير بعموم هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها؛ لأن الله قال فيها: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} الآية وبعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} الآية. وبعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سقت السماء العشر" الحديث. ولم يقبل تخصيصه بحديث "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" لأن القاعدة المقررة في أصوله رحمه الله أن العام قطعي الشمول والتناول لجميع أفراده، كما أشار له في "مراقي السعود" بقوله:

وهو على فرد يدل حتما ... وفهم الاستغراق ليس جزما

بل هو عند الجل بالرجحان ... والقطع فيه مذهب النعمان

فما كان أقل من خمسة أوسق يدخل عنده دخولاً مجزوماً به في عموم الآيات المذكورة والحديث، فلا يلزم عنده تخصيص العام بالخاص، بل يتعارضان، وتقديم ما دل على الوجوب أولى من تقديم ما دل على غيره؛ للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب.

وأما مالك والشافعي -رحمهما الله تعالى- فحجتهما في