بين الغنيمة والفيء، وعلى هذا القول فلا إشكال في الآيات؛ لأن آية:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ذكر فيها حكم الغنيمة، وآية:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} ذكر فيها حكم الفيء، وأشير لوجه الفرق بين المسألتين بقوله:{فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} أي فكيف يكون غنيمة لكم، وأنتم لم تتعبوا فيه ولم تنتزعوه بالقوة من مالكيه.
وقال بعض العلماء: إن الغنيمة والفيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان غنيمة وفيء، وهذا قول قتادة رحمه الله، وهو المعروف في اللغة، فالعرب تطلق اسم الفيء على الغنيمة، ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي:
فلا وأبي جليلة ما أفأنا ... من النعم المؤبل من بعير
ولكنا نهكنا القوم ضربا ... على الأثباج منهم والنحور
يعني أنهم لم يشتغلوا بسوق الغنائم، ولكن بقتل الرجال فقوله: أفأنا: يعني غنمنا، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى:{وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} لأن ظاهر هذه الآية الكريمة شمول ذلك لجميع المسببات ولو كن منتزعات قهراً، ولكن الاصطلاح المشهور عند العلماء هو ما قدمنا من الفرق بينهما، وتدل له آية الحشر المتقدمة، وعلى قول قتادة: فآية الحشر مشكلة مع آية الأنفال هذه، ولأجل ذلك الإشكال قال قتادة رحمه الله تعالى: إن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} الآية. ناسخة لآية:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} الآية، وهذا القول الذي ذهب إليه -رحمه الله- باطل بلا شك، ولم يلجىء قتادة -رحمه الله- إلى هذا القول إلا دعوى