وثبت في «صحيح مسلم» عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد. وابن عباس هو الذي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى باليمين على المدعى عليه، وهو الذي روى أنه قضى باليمين والشاهد. ولا تعارض بين الحديثين، بل هذا في دعوى، وهذا في دعوى.
وأما الحديث المشهور على ألسنة الفقهاء:«البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» فهذا قد روي، ولكن ليس إسناده في الصحة والشهرة مثل غيره، ولا رواه عامة أصحاب السنن المشهورة، ولا قال بعمومه أحد من علماء الأمة، إلا طائفة من فقهاء الكوفة، مثل: أبي حنيفة وغيره، فإنهم يرون اليمين دائما في جانب المنكر، حتى في القسامة يحلفون المدعى عليه، ولا يقضون بالشاهد واليمين، ولا يردون اليمين على المدعي عند النكول، واستدلوا بعموم هذا الحديث.
وأما سائر علماء الأمة من أهل المدينة، ومكة، والشام، وفقهاء الحديث، وغيرهم، مثل: ابن جريج، ومالك، والشافعي، والليث، وأحمد، وإسحاق = فتارة يحلفون المدعى عليه، كما جاءت بذلك السنة، والأصل عندهم أن اليمين مشروعة في أقوى الجانبين، وأجابوا عن ذلك الحديث تارة بالتضعيف، وتارة بأنه عام، وأحاديثهم خاصة، وتارة بأن أحاديثهم أصح وأكثر، فالعمل بها عند التعارض أولى.
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طلب البينة من المدعي، واليمين من المنكر في حكومات معينة، ليست من جنس دعاوى التهم، مثل ما خرجا في «الصحيحين» عن الأشعث بن قيس أنه قال: كان بيني وبين رجل حكومة في بئر، فاختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال:«شاهداك، أو يمينه». فقلت: إذاً يحلف