للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٥٥ - الوضوء من أكل لحم الجزور، وأكل ما مسته النار]

- قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ (وأما قولهم: إن الوضوء من لحوم الإبل على خلاف القياس، لأنها لحم، واللحم لا يتوضأ منه، فجوابه أن الشارع فرق بين اللحمين، كما فرق بين المكانين، وكما فرق بين الراعيين: رعاة الإبل ورعاة الغنم، فأمر بالصلاة في مرابض الغنم دون أعطان الإبل، وأمر بالتوضؤ من لحوم الإبل دون الغنم، كما فرق بين الربا والبيع، والمذكى والميتة، فالقياس الذي يتضمن التسوية بين ما فرق الله بينه من أبطل القياس وأفسده، ونحن لا ننكر أن في الشريعة ما يخالف القياس الباطل.

هذا مع أن الفرق بينهما ثابت في نفس الأمر، كما فرق بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم، فقال: «الفخرُ والخيلاء في الفدَّادين أصحاب الإبل، والسكينة في أصحاب الغنم»، وقد جاء أن على ذروة كل بعير شيطان، وجاء أنها جنٌّ خلقت من جن، ففيها قوة شيطانية، والغاذي شبيه بالمغتذي، ولهذا حرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، لأنها دواب عادية، فالاغتذاء بها يجعل في طبيعة المغتذي من العُدْوان ما يضره في دينه، فإذا اغتذى من لحوم الإبل وفيها تلك القوة الشيطانية والشيطان خلق من نار، والنار تطفأ بالماء ــ هكذا جاء الحديث، ونظيره الحديث الآخر: «إن الغضب من الشيطان؛ فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» ــ فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في وضوئه ما يطفئ تلك القوة الشيطانية فتزول تلك المفسدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>