للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: «إن الماء لا يجنب»، وهما نصان صريحان في أن الماء لا ينجس بالملاقاة، ولا يسلبه طَهُوريته استعماله في إزالة الحدث، ومَن نجَّسه بالملاقاة أو سَلبَ طَهُوريته بالاستعمال فقد جعله ينجس ويجنب.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه في «صحيح البخاري» أنه سئل عن فأرة وقعت في سَمْن فقال: «ألقُوها وما حوله وكُلُوه»، ولم يفصل بين أن يكون جامدًا أو مائعًا، قليلا أو كثيرا، فالماء بطريق الأوْلى يكون هذا حكمه.

وحديث التفريق بين الجامد والمائع حديث معلول، وهو غلط من معمر من عدة وجوه، بيَّنها البخاري في «صحيحه» والترمذي في «جامعه» وغيرهما، ويكفي أن الزهري الذي روى عنه معمر حديث التفصيل قد روى عنه الناسُ كلهم خلاف ما روى عنه معمر، وسئل عن هذه المسألة فأفتى بأنها تُلقَى وما حولها ويؤكل الباقي في الجامد والمائع والقليل والكثير، واستدل بالحديث، فهذه فُتْياه، وهذا استدلاله، وهذه رواية الأئمة عنه.

فقد اتفق على ذلك النص والقياس، ولا يصلح للناس سواه، وما عداه من الأقوال فمتناقض لا يمكن صاحبه طرده كما تقدم، فظهر أن مخالفة القياس فيما خالف النص لا فيما جاء به النص) [إعلام الموقعين: ١/ ٣٩١ ــ ٣٩٤] (١).


(١) هذا الكلام نقله ابن القيم عن شيخ الإسلام ضمن جواب طويل له حول ما يقول فيه بعض الفقهاء إنه بخلاف القياس، وأضاف عليه بعض الإضافات التي تبين كلام شيخ الإسلام وتوضحه، وقد أشار إلى ذلك في أول النقل، فقال (١/ ٣٨٣ - ٣٨٤): (وسألت شيخنا ــ قدس الله روحه عما يقع في كلام كثير من الفقهاء من قولهم: هذا خلاف القياس، لما ثبت بالنص أو قول الصحابة أو بعضهم، وربما كان مجمعا عليه، كقولهم: طهارة الماء إذا وقعت فيه نجاسة على خلاف القياس، وتطهير النجاسة على خلاف القياس، والوضوء من لحم الإبل، والفطر بالحجامة، والسلم، والإجارة، والحوالة، والكتابة، والمضاربة، والمزارعة، والمساقاة، والقرض، وصحة صوم الآكل الناسي، والمضيّ في الحج الفاسد، كل ذلك على خلاف القياس، فهل هذا صواب أم لا؟ فقال: ليس في الشريعة ما يخالف القياس، وأنا أذكر ما حصلته من جوابه بخطه ولفظه، وما فتح الله سبحانه لي بيمن إرشاده وبركة تعليمه وحسن بيانه وتفهيمه) ثم ساق الجواب.
وهذا الجواب مطبوع ضمن «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٥٠٤ - ٥٨٤)، ويسمى: «رسالة في معنى القياس»، وقد فرقته على الأبواب حسب المسائل الفقهية الواردة فيه، ونص مسألة هذا الباب في «الفتاوى» (٢٠/ ٥١٥ - ٥٢٠) مع اختلاف بينهما في بعض المواضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>