وربما يرجع ذلك لعدة أسباب، بعضها يتعلق بالإمام عبد الرزاق، وبعضها بـ "المصنَّف":
١ - فالإمام عبد الرزاق على الرغم من شهرته الواسعة إلا أنه لم يسلم من النقد الذي نال منه في أخريات عمره، وربما جعل هذا البعضَ يحجم عن الرواية عنه، وهو ما يظهر في هذه القصة التي ساقها ابن عدي حيث قال:"وسمعت ابن حماد يقول: سمعت أبا صالح محمد بن إسماعيل الضراري يقول: بلغنا ونحن بصنعاء عند عبد الرزاق أن أصحابنا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهما تركوا حديث عبد الرزاق أو كرهوه؛ فدخلنا من ذلك غم شديد، وقلنا: قد أنفقنا ورحلنا وتعبنا، وآخر ذلك سقط حديثه! فلم أزل في غم من ذلك إلى وقت الحج، فخرجت من صنعاء إلى مكة، فوافيت بها يحيى بن معين، فقلت له: يا أبا زكريا، ما نزل من شيء بلغنا عنكم في عبد الرزاق؟ فقال: ما هو؟ قلت: بلغنا أنكم تركتم حديثه ورغبتم عنه، فقال: يا أبا صالح، لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه"(١).
ولا شك أن هذه القصة تعكس قدر الإمام عبد الرزاق ومكانته في الرواية عند أكابر النقاد ممن لهم شأن في الحكم على الرجال؛ إلا أنها تظهر أيضًا التأثير السلبي لانتشار النقد الذي يلحق براوٍ ما، ولعل هذا يعكس جانبًا من ضعف الاهتمام بمصنف عبد الرزاق وعدم إنزاله منزلته اللائقة به بين آثار تلك الطبقة من كتب السنة.
٢ - ومما قد يُعدّ معوقًا لانتشار "المصنَّف" أو الإقبال عليه، هو ما ذُكر عن ميل الإمام عبد الرزاق إلى التشيع، وقد تعرضنا لهذا الجانب عند الكلام علي عقيدته.
٣ - ولعل من الأسباب انصراف العلماء إلى الصحيحين وكتب السنن؛ إذ أولوها من
(١) "الكامل" لابن عدي (٦/ ٥٣٨). وينظر ما ذُكِر من انتقادات لعبد الرزاق في مبحث: مكانة الإمام عبد الرزاق العلمية وأقوال العلماء فيه.