للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُسْتَقبِلَةَ الْأَنْصَابِ الْحُمْرِ، قَالَ: فَقَامَ عَندُ المُطَّلِبِ، فَمَشَى حَتَّى جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ الحَرَامِ يَنْظُرُ مَا خُبِّئَ لَهُ مِنَ الآيَاتِ (١)، فَنُحِرَتْ بَقَرَةٌ بِالحَزوَرَةِ، فَانْفَلَتت مِنْ جَازِرِهَا بِحُشَاشَةِ نَفْسِهَا، حَتَّى غَلَبَهَا المَوتُ فِي المَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَجُزِرَتْ تِلْكَ البَقَرَةُ فِي مَكَانِهَا، حَتَّى احْتمِلَ لَحْمُهَا، فَأَقبَلَ غُرَابٌ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي الفَرْثِ، فَبَحَثَ فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ (٢)، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَحفِر هُنَالِكَ، فَجَاءَتْهُ قرَيْشٌ فَقَالُوا لِعَبْدِ المُطَّلِبِ: مَا هَذَا الصنِيعُ؟ لَم نَكُنْ نَزُنُّك بِالْجَهْلِ، لِمَ تَحفِرُ فِي مَسْجِدِنَا؟ فَقَالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: إِني لَحَافِر هَذِهِ الْبِئْرَ، وَمُجَاهِدٌ مَنْ صدَّنِي عَنْهَا (٣)، فَطَفِقَ يَحْفِرُ هُوَ وَابنهُ الْحَارِث وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَيَسْعَى عَلَيهِمَا نَاسٌ مِن قُرَيشٍ، فَيُنَازِعُونَهُمَا، وَيُقَاتِلُونَهُمَا، وَيَنْهَى عَنْهَ النَّاسُ مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ عِتْقِ نَسَبِهِ، وَصدْقِهِ، وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِ يَومَئِذٍ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَ الْحَفْرُ، وَاشْتَدَّ عَلَيهِ الأَذَى، نَذَرَ إِنْ وفَيَ لَهُ بِعَشَرة مِنَ الْوَلَدِ أَنْ يَنحَرَ أَحَدَهُم، ثمَ حَفَرَ حَتَّى أَدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَت فِي زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَأَتْ قرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ السُّيُوفَ، فَقَالُوا لِعَبْدِ الْمُطلِبِ: أَحْذِنَا مِمَّا وَجَدْتَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: بَلْ هَذِهِ السُّيُوفُ لَبَيْتِ اللَّهِ، ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَنْبَطَ الْمَاءَ، فَحَفَرَهَا فِي الْقَرَارِ، ثُمَّ بَحَرَهَا حَتَّى لَا تَنْزِفَ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهَا حَوْضًا، وَطَفِقَ هُوَ وَابْنُهُ يَنْزِعَانِ فَيَمْلَآنِ ذَلِكَ الْحَوْضَ، فَيَشْرَبُ مِنْهُ الْحَاجُّ، فَيَكْسِرُهُ نَاسٌ مِنْ حَسَدَةِ قُرَيْشٍ بِاللَّيْلِ، وَيُصْلِحُهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ يُصْبحُ، فَلَمَّا أَكثَرُوا فَسَادَهُ، دَعَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَبَّهُ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنْ هِيَ لِشَارِبٍ حِلُّ وَبَلٌّ، ثُمَّ كُفِيتَهُمْ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ اخْتَلَفَت (٤) قُرَيْشٌ بِالْمَسْجِدِ، فَنَادَى بِالَّذِي أُرِيَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَكُنْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ حَوْضَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا رُمِيَ بِدَاءٍ فِي جَسَدِهِ، حَتَّى


(١) الآيات: جمع آية، وهي المعجرة والكرامة، وسميت آية لأنها علامة النبوة. (انظر: المرقاة) (١٠/ ٢٤٤).
(٢) تصحف في الأصل إلى: "الدم"، والتصويب من المصدرين السابقين.
(٣) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من المصدرين السابقين.
(٤) في الأصل: "أجفرت"، والتصويب من المصدرين السابقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>