مُعَاذٍ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَوْسِ، وَإِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، فَقَالَ لَهُمَا: "إِنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ قَدْ سَأَلَنِي نِصْفَ ثَمَرِكُمَا عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ، وَيُخَذِّلَ بَيْنَ الْأَحْزَابِ، وَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ الثُّلُثَ، فَأَبَى إِلَّا الشَّطْرَ، فَمَاذَا تَرَيَانِ"؟ قَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِشَيْءٍ فَامْضِ لِأَمْرِ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْتَأْمِرْكُمَا، وَلَكِنْ هَذَا رَأيِي أَعْرِضُهُ عَلَيْكُمَا"، قَالَا: فَإِنَّا لَا نَرَى أَنْ نُعْطِيَهُ إِلَّا السَّيْفَ، قَالَ: "فَنِعْمَ إِذَنْ".
قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، أَنَّهُمَا قَالَا لَهُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ كَانَ، أَفَالْآنَ حِينَ جَاءَ اللهُ بِالْإِسْلَامِ نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَنِعْمَ إِذَنْ".
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ، وَكَانَ يَأْمَنُهُ الْفَرِيقَانِ، كَانَ مُوَادِعًا لَهُمَا، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ عُيَيْنَةَ وَأَبِي سُفْيَانَ إِذْ جَاءَهُمْ رَسُولُ بَنِي قُرَيْظَةَ: أَنِ اثْبُتُوا، فَإِنَّا سَنُخَالِفُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ (١)، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ"، وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلًا لَا يَكْتُمُ الْحَدِيثَ، فَقَامَ بِكَلِمَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مِنَ اللهِ فَأَمْضِهِ، وَإِنْ كَانَ رَأْيًا مِنْكَ فَإِنَّ شَأْنَ قُرَيْشٍ وَبَنِي قُرَيْظَةَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مَقَالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الرَّجُلَ: "رُدُّوهُ"، فَرَدُّوهُ، فَقَالَ: "انْظُرِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَكَ، فَلَا تَذْكُرهُ لِأَحَدٍ"، فَإِنَّمَا أَغْرَاهُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى عُيَيْنَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ، فَقَالَ: هَلْ سَمِعْتُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ يَقُولُ قَوْلًا إِلَّا كَانَ حَقًّا؟ قَالَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي لَمَّا ذَكَرْتُ لَهُ شَأْنَ قُرَيْظَةَ، قَالَ: "فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ"، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: سَنَعْلَمُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مَكْرًا، فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَّكُمْ قَدْ أَمَرْتُمُونَا أَنْ نَثْبُتَ، وَأَنَّكُمْ سَتُخَالِفُونَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ، فَأَعْطُونَا بِذَلِكَ رَهِينَةً، فَقَالُوا: إِنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّا لَا نَقْضي فِي السَّبْتِ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّكُمْ فِي مَكْرٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ،
(١) بيضة القوم: مجتمعهم وموضع سلطانهم، ومستقر دعوتهم. وبيضة الدار: وسطها ومعظمها، أراد عدوا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم. (انظر: النهاية، مادة: بيض).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute