غَالِبٍ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، فَلَقِيَتْهُ امْرَأَتُهُ هِنْدٌ فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ، وَقَالَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ، اقْتُلُوا الشَّيْخَ الْأَحْمَقَ، فَإِنَّهُ قَدْ صَبَأَ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْلِمِنَّ، أَوْ لَيُضرَبَنَّ عُنُقُكِ، قَالَ: فَلَمَّا أَشْرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَكَّةَ كَفَّ النَّاسَ أَنْ يَدْخُلُوهَا حَتَّى يَأْتِيَهُ رَسُولُ الْعَبَّاسٍ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّهُمْ يَصْنَعُونَ بِعَبَّاسٍ مَا صَنَعَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، فَوَاللهِ إِذَنْ لَا أَسْتَبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا"، قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ رَسُولُ الْعَبَّاسٍ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْكَفِّ، فَقَالَ: "كُفُّوا السِّلَاحَ إِلَّا خُزَاعَةَ عَنْ بَكرٍ سَاعَةً"، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَكَفُّوا، فَأَمَّنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ إِلَّا (١) ابْنَ أَبِي سَرْحٍ، وَابْنَ خَطَلٍ وَمَقِيسَ الْكِنَانِيَّ، وَامْرَأَةً أُخْرَى، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَمْ أُحَرِّمْ مَكَّةَ وَلَكِنْ حَرَّمَهَا اللهُ، وَاِنَّهَا لَمْ تَحْلِلْ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاِنَّمَا أَحَلَّهَا اللهُ لِي فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ"، قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِابْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَقَالَ: بَايِعْهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ أَيْضًا، فَقَالَ: بَايِعْهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ أَعْرَضْتُ عَنْهُ، وَإِنِّي لأَظُنُّ بَعْضَكُمْ سَيَقْتُلُهُ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: فَهَلَّا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ لَا يُومِضُ"، وَكَأَنَّهُ رَآهُ غَدْرًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَقَاتَلَ بِمَنْ مَعَهُ صُفُوفَ قُرَيْشٍ بِأَسْفَلَ مَكَّةَ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُفِعَ عَنْهُمْ، فَدَخَلُوا فِي الدِّينِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} حَتَّى خَتَمَهَا، قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَهِيَ كِنَانَةُ وَمَنْ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ قَبْلَ حُنَيْنٍ، وَحُنَيْنٌ وَادٍ فِي قُبُلِ الطَّائِفِ ذُو مِيَاهٍ، وَبِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ عَجُزُ هَوَازِنَ وَمَعَهُمْ ثَقِيفٌ، وَرَأْسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَنَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - والْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يَوْمًا شَدِيدًا عَلَى النَّاسِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: ٢٥] الْآيَةَ.
(١) ليس في الأصل، واستدركناه من "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٣/ ١١٣) معزوا لعبد الرزاق، به.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute