للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والأصل في العقود كلها: إنما هو العدل، الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥] والشارع نهى عن الربا لما فيه من الظلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم، والقرآن جاء بتحريم هذا وهذا، وكلاهما أكل المال بالباطل، وما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المعاملات ــ كبيع الغرر، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وبيع السنين، وبيع حبل الحبلة، وبيع المزابنة والمحاقلة، وبيع الحصاة، وبيع الملاقيح والمضامين، ونحو ذلك ــ هي داخلة: إما في الربا، وإما في الميسر.

فالإجارة بالأجرة المجهولة ــ مثل أن يكريه الدار بما يكسبه المكتري في حانوته من المال ــ = هو من الميسر، وأما المضاربة والمساقاة والمزارعة فليس فيها شيء من الميسر، بل هي من أقوم العدل، وهو مما يبين لك أن المزارعة التي يكون فيها البذر من العامل أولى بالجواز من المزارعة التي يكون فيها البذر من رب الأرض، ولهذا كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يزارعون على هذا الوجه، وكذلك عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع، على أن يعملوها (١) من أموالهم.

والذين اشترطوا أن يكون البذر من رب الأرض= قاسوا ذلك على المضاربة، فقالوا: المضاربة فيها المال من واحد، والعمل من آخر، فكذلك المزارعة ينبغي أن يكون البذر فيها من مالك الأرض، وهذا القياس، مع أنه مخالف للسنة الصحيحة، ولأقوال الصحابة، فهو من أفسد القياس، فإن


(١) في «الفتاوى»: (يعمروها).

<<  <  ج: ص:  >  >>