عَلِيٍّ وَهُوَ بِالْعِرَاقِ حِينَ امْتَنَعَ مِنِّي قَيْسٌ، فَقُلْتُ لِأَهْلِ الشَّامِ: لَا تَسُبُّوا قَيْسًا، وَلَا تَدْعُونِي إِلَى غَزْوِهِ، فَإِنَّ قَيْسًا لَنَا شِيعَةٌ، تَأْتِينَا كُتُبُهُ وَنَصِيحَتُه، أَلَا تَرَوْنَ مَا يَفْعَلُ بِإِخْوَانِكُمُ الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ خَرِبْتَا، يُجْرِي عَلَيْهِمْ أُعْطِيَتَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ، وَيُؤَمِّنُ سِرْبَهُمْ، وَيُحْسِنُ إِلَى كُلِّ رَاغِبٍ قَدِمَ عَلَيْهِ، فَلَا نَسْتَنْكِرُهُ فِي نَصِيحَتِهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَطَفِقْتُ أَكْتُبُ بِذَلِكَ إِلَى شِيعَتِي مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ مِنْ جَوَاسِيسِ عَلِيٍّ الَّذِينَ هَدَى مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا وَنَمَاهُ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، اتَّهَمَ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِأَمْرِهِ بِقِتَالِ أَهْلِ خَرِبْتَا - وَأَهْلُ خَرِبْتَا يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلَافٍ، فَأَبَى قَيْسٌ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، وَكَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ أَنَّهُمْ وُجُوهُ أَهْلِ مِصْرَ وَأَشْرَافُهُمْ وَذَوُو الْحِفَاظِ مِنْهُمْ، وَقَدْ رَضوا مِنِّي بِأَنْ أُؤَمِّنَ سِرْبَهُمْ، وَأُجْرِي عَلَيْهِمْ أُعْطِيَاتِهِمْ وَأَرْزَاقَهُمْ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَوَاهُمْ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَسْتُ مُكَايِدَهُمْ بِأَمْرٍ أَهْوَنَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ مِنْ أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِمُ الْيَوْمَ، وَلَوْ دَعَوْتُهُمْ إِلَى قِتَالِي كَانُوا قَرَنَّاهُمْ أَسْوَدَانِ (١) الْعَرَبِ وَفِيهِمْ بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ الْخَوْلَانِيِّ، فَذَرْنِي وَرَأْيِي فِيهِمْ، وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أُدَارِي مِنْهُمْ، فَأَبَى عَلَيْهِ عَلِيٌّ إِلَّا قِتَالَهُمْ، فَأَبَى قَيْسٌ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، وَكَتَبَ قَيْسٌ إِلَى عَلِيٍّ: إِنْ كُنْتَ تَتَّهِمُنِي فَاعْتَزِلْنِي عَنْ عَمَلِكَ، وَأَرْسِلِ إِلَيْهِ غَيْرِي، فَأَرْسَلَ الْأَشْتَرَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْقُلْزُمَ شَرِبَ بِالْقُلْزُمِ شَرْبَةً مِنْ عَسَلٍ، فَكَانَ فِيهَا حَتْفُه، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّ لِلَّهِ جُنُودًا مِنْ عَسَلٍ، فَلَمَّا بَلَغَتْ عَلِيًّا وَفَاةُ الْأَشْتَرِ، بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، فَلَمَّا حُدِّثَ بِهِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَادِمًا أَمِيرًا عَلَيْهِ، تَلَقَّاهُ فَخَلَا بِهِ، وَنَاجَاه، وَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ امْرِئٍ لَا رَأْيَ لَهُ فِي الْحَرْبِ، وإِنَّهُ لَيْسَ عَزْلُكُمْ إِيَّايَ بِمَانِعِي أَنْ أَنْصحَ لَكُمْ، وإِنِّي مِنْ أَمْرِكُمْ عَلَى بَصيرَةٍ، وإنَي أَدُلُّكَ عَلَى الَّذِي كُنْتُ أُكَايِدُ بِهِ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَأَهْلَ خَرْبِتَا فَكَايِدْهُمْ بِهِ، فَإِنَّكَ إِنْ كَايَدْتَهُمْ بِغَيْرِهِ تَهْلَكْ. فَوَصَفَ لَهُ قَيْسٌ الْمُكَايَدَةَ الَّتِي كَايَدَهُمْ بِهَا، فَاغْتَشَّهُ
(١) قوله: "كانوا قرناهم أسودان" غير واضح المعنى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute