للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَخَلَصَ مُعَاوِيَةُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ إِلَى مُكَايَدَةِ رَجُلٍ هُوَ أَهَمُّ النَّاسِ عِنْدَهُ مَكِيدَة، وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا، فَنَزَلَ بِهِمْ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو وَأَهْلُ الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَيُرْسِلُ مُعَاوِيَةُ إِلَى قَيْسٍ، وَيُذَكِّرُهُ اللَّهَ، وَيَقُولُ: عَلَى طَاعَةِ مَنْ تُقَاتِلُنِي؟ وَيَقُولُ: قَدْ بَايَعَنِي الَّذِي تُقَاتِلُ عَلَى طَاعَتِهِ، فَأَبَى قَيْسٌ أَنْ يَلِينَ لَهُ حَتَّى أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ بِسِجِلٍّ قَدْ خَتَمَ لَهُ فِي أَسْفَلِهِ، فَقَالَ: اكْتُبْ فِي هَذَا السِّجِلِّ، فَمَا كَتَبْتَ فَهُوَ لَكَ، فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: لَا تُعْطِهِ هَذَا وَقَاتِلْه، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ - وَكَانَ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ -: عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّا لَنْ نَخْلُصَ إِلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ حَتَّى يُقْتَلَ عَدَدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَمَا خَيْرُ الْحَيَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ وإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُقَاتِلُهُ حَتَّى لَا أَجِدَ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، فَلَمَّا بَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِذَلِكَ السِّجِلَّ اشْتَرَطَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ لِنَفْسِهِ وَلِشِيعَةِ عَلِيٍّ الْأَمَانَ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنَ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالِ، وَلَمْ يَسْأَلْ مُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ مَالًا، فَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ مَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ، وَدَخَلَ قَيْسٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْجَمَاعَةِ، وَكَانَ يُعَدُّ فِي الْعَرَبِ حَتَّى ثَارَتِ الْفِتْنَةُ الْأُولَى خَمْسَةٌ يُقَالُ لَهُمْ: ذَوُو رَأْيِ الْعَرَبِ وَمَكِيدَتُهُمْ، يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو، وَيُعَدُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَيُعَدُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَيُعَدُّ مِنْ ثَقِيفَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ مِنْهُمْ رَجُلَانِ: قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ مُعْتَزِلًا بِالطَّائِفِ وَأَرْضِهَا، فَلَمَّا حُكِّمَ الْحَكَمَانِ فَاجْتَمَعَا بِأَذْرُحَ، وَافَاهُمَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَأَرْسَلَ الْحَكَمَانِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وإلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَوَافَى رِجَالٌ (١) كَثِيرٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَوَافَى مُعَاوِيَةُ بِأَهْلِ الشَّامِ، وَوَافَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَهُمَا الْحَكَمَانِ، وَأَبَى عَلِيٌّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ يُوَافُوا، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِرِجَالٍ مِنْ ذَوِي رَأْيِ أَهْلِ قُرَيْشٍ: هَلْ تَرَوْنَ أَحَدًا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَعْلَمَ: أَيَجْتَمِعُ هَذَانِ الْحَكَمَانِ أَمْ لَا؟ فَقَالُوا لَهُ: لَا نَرَى أَنَّ أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَاللهِ إِنِّي لأَظُنُّنِي سَأَعْلَمُهُ مِنْهُمَا حِينَ أَخْلُو بِهِمَا فَأُرَاجِعُهُمَا، فَدَخَلَ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَبَدَأَ بِهِ، فَقَالَ:


(١) في الأصل: "رجالا"، وهو خلاف الجادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>